الخليل بن عبدالله

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الخليل بن عبدالله للتعليم الأساسي (10-12)


    كيف تصمم بحث علمي

    طالب مجتهد
    طالب مجتهد
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 26
    تاريخ التسجيل : 25/10/2010
    العمر : 30
    الموقع : محافظة مسقط/ السيب

    كيف تصمم بحث علمي Empty كيف تصمم بحث علمي

    مُساهمة  طالب مجتهد الإثنين فبراير 07, 2011 2:01 am

    تمهيد:

    يقوم الباحث من خلال تصميم البحث بإثارة المشكلة وصياغتها، وتحديد نمط البحث، تمهيدا لحصر المناهج المناسبة، والأدوات والتقنيات المطلوبة، فضلا عن توقعه لمتطلبات البحث المادية وآماده الزمنية، ولعل ذلك ما جعل البعض يعتبر التصميم عملية اتخاذ للقرارات قبل ظهور الموقف الذي ستنفذ فيه هذه القرارات، فهو كما يقول عبد الباسط محمد حسن : "عملية توقعات متعمدة تتجه نحو إخضاع موقف متوقع تحت الضبط"[size=9](
    [1]).

    وللعلم هذا، يعتبر التصميم المنهجي نشاطا علميا يستدعي تخطيطا واعيا، وإدراكا قبليا بالموقف، وإلماما أوليا بمتطلبات وأبعاد الموضوع الفكرية والإجرائية قيد البحث، على المستوى النظري والمنهجي.

    ===========

    وللفائدة، نقول بأن من مستلزمات التصميم أيضا أن يكون للباحث خططا إستراتيجية، وأخرى تكتيكية، تساعده تحقيق أهداف بحثه:

    فالخطط الإستراتيجية تساعد على " تعيين المراحل الكبرى للبحث، والمعالم الرئيسة لنوع المعلومات المطلوبة في كل مرحلة، ونوع الأدوات لجمع هذه المعلومات ونوع التحليلات الكمية أو الكيفية التي ستجري عليها الخطط الإستراتيجية."

    في حين أن "الخطط التكتيكية فإنها تنشأ لمواجهة المواقف العملية أثناء جمع البيانات والتصرف في هذه المواقف سواء أكانت متوقعة أو غير متوقعة تصرفا سليما."([2]).

    ===========

    أولا- مراحل أو دورة البحث:

    الهدف من الحديث عن "دورة البحث" Cycle de la rechercheهو تبيان العمليات والأنشطة الفكرية الأساسية التي تكون أثناء البحث العلمي، ويوصف هذا النشاط بالدورة لأنه يبدأ من نقطة معينة ليعود إليها بعد تتابع للنشاط البحثي، وعلى شكل حلقة دائرية؛ بحيث ينتظم النشاط البحثي العلمي ضمن مراحل متتالية، يعمل فيها الفكر، وبدون توقف، على تجديد معطياته وتعميق تحليلاته، فينتقل من خطوة إلى أخرى من أجل إنجاز مهمته، بدءا من مرحلة التصور مرورا بالمنهج وصولا إلى الملاحظة، ثم يعود لنقطة البدء، وهكذا ([sup][3][/sup]).

    1- دورة البحث حسب عمر أكتوف:

    يقترح الباحث عمر أكتوف ستة عشره فترة ضمن دائرة البحث: تبدأ بتحديد الموضوع (المشكلة) ثم تنتقل إلى صياغة المشكلة وما تثيره من تساؤلات، لتنتقل إلى تحديد حقل البحث من خلال تبيان السياق النظري للبحث والوقوف على التساؤلات المحورية، ثم استعراض الأدبيات حول الموضوع ومعرفة حالة البحث، أي ما وصلت إليه الدراسات حول الموضوع.

    بعد ذلك يقوم الباحث بتحقيق مبدئي لامتحان الفرضيات ومعرفة شروط تحقيقها، ويحدّد نمط البيانات المطلوبة، ويحدّد المنهج والتقتيات والعينة، ويضع خطة التحقيق الميداني وخطة التجربة، يقوم بالتحقق المسبق للأداة، وصياغة نهائية للأدوات، وجمع البيانات، وتحضير وتنقية المعطيات، ويقوم بمعالجة وتحليل المعطيات، ويقوم بتأويل النتائج، يضع النتائج العامة([4]).

    هذا، ويلخص التقسيم الكلاسيكي لمراحل البحث هذه الخطوات في ثلاث مراحل أساسية، في حين يقترح كل باحث فترات بعينها يراها ضرورية لإتمام النشاط الفكري والبحثي.

    ولذلك يمكن القول أن دراسة مراحل البحث أو دورة البحث يعتبر موضوعا تاريخيا هاما بالنسبة للكثير من الباحثين في مجال المنهجية.، فهي تشهد عن تطور التفكير العلمي وتطور منهجية البحث ذاتها.

    ===========

    وتجدر الإشارة إلى أن التقسيم الكلاسيكي لمراحل البحث ([5])، وهو التقسيم الذي لازال يدرّس التلاميذ ضمن مادة الفلسفة في مناهج التعليم العام (الثانوية)، ويرجع الفضل إلى "كلود برنار" Claude Bernard في وضعه، والذي عرضه في كتابه : "مدخل لدراسة الطب التطبيقي" والذي يقول فيه أن: "المفكر المتكامل هو الذي يجمع بين النظرية والتطبيق التجريبي فهو:

    أ- يلاحظ الواقعة (الملاحظة)

    ب) ومن خلال ذلك تظهر الفكرة في عقله(الفرضية)

    ج) وانطلاقا من هذه الفكرة ينطلق في استدلاله ليصل إلى أن يصمم وينفذ التجربة([6])>>.

    =============

    2- دورة البحث حسب موريس أنجرس:

    أما موريس أنجرس فيحصر هذه المراحل في أربع فترات أساسية وهي([7]):

    أ- مرحلة تحديد المشكلة:

    ويقسم أنجرس هذه المرحلة إلى عنصر يتضمن العنصر الأول طرح وصياغة مشكلة البحث، ويتعلق الفصل الثاني بالجانب العملياتي، الذي يقوم الباحث من خلاله إلى تحويل سؤال البحث إلى ظاهرة يمكن ملاحظتها وتناولها في الواقع.

    تتم عملية تحديد المشكلة وصياغتها، في ثلاث مراحل تبدأ باختيار الموضوع، بفضل عدة مصادر للإلهام منها التجارب الشخصية وتبادل الأفكار مع الغير والدراسات السابقة، ثم يقوم الباحث بالتحقق من مدى قابلية البحث للإنجاز قبل البدء فيه، حيث يرى هل بإمكانه الوصول إلى مصادر المعلومات وهل يتوفر على الوارد المالية المطلوبة وإلى غير ذلك من الشروط.

    وتمثل المرحلة الثانية من طرح وتدقيق المشكلة في الاطلاع على الأدبيات التي تدور حول موضوع البحث لإثرائه، وحصر الوثائق المطلوبة، استغلالها بما يخدم الدراسة.

    وتتضمن المرحلة الثالثة تدقيق المشكلة، من خلال طرح تساؤل رئيس محوري، ويرى موريس انجرس أن هناك أربع تساؤلات فرعية تسمح بتدقيق المشكلة وهي :

    " لماذا نهتم بهذا الموضوع؟"، أما السؤال الثاني هو: " ما الذي نطمح بلوغه"، أما السؤال الثالث فهو " ماذا نعرف عن الموضوع حتى الآن"، أما السؤال الرابع فهو يتعلق بأي سؤال بحث سنطرح، وهذا يدفعنا لمعرفة الإطار النظري للموضوع قيد الدراسة.

    أما القسم العملياتيOpérationnelle فيسمح بالانتقال من المستوى المجرد إلى المستوى المحسوس بشكل متتالي، ويبدأ الباحث هذه الخطوة بصياغة فروض الدراسة أو طرح تساؤلات والتي يعتبرها أنجرس أهدافا للدراسة، بعد ذلك يقول بتحليل المفاهيم وتفكيكها للوقوف على أبعادها، ومن ثمّ مؤشراتها، مما يجعل الباحث يحدّد متغيرات الدراسة بالشكل الذي يسمح له بتناولها ميدانيا، بحيث تصبح المتغيرات قابلة للتحليل أو القياس.

    ب- مرحلة البناء التقني:

    تتمثل المرحلة في تحديد الأدوات التي تسمح بتفحص الواقع، وبعد ذلك يقوم الباحث ببناء هذه التقنيات لكي يستعملها في جمع المعطيات فيبني إطار الملاحظة مثلا، أو وثيقة الأسئلة بالنسبة للاستمارة وغيرها، أو يبني مخطط أو دليل المقابلة..

    ج- مرحلة جمع المعطيات:

    وفي هذه المرحلة يحدد الباحث كيفية انتقاء عناصر البحث، بعد تحديد مجتمع البحث واختيار المعاينة المناسبة، ونوع العينة المطلوبة ثم طريقة إجراء الانتقاء أي من خلال السحب (يدوي، منتظم آلي) أو الفرز( عشوائي، موجه، فرز المتطوعين...)

    بعد ذلك يتصل بالواقع المدروس ويخطط عملية جمع البيانات باستعمال التقنيات التي اختارها.

    د- مرحلة التحليل والتأويل:

    بعد أن تتنهي مرحلة الجمع يبدأ الباحث بالتعامل مع المعطيات فيقوم بتنظيمها وترتيبها، ويحدد كيف سيقوم بعرضها(الجداول والرسوم البيانية ..) تمهيدا لتحليلها وتأويلها واستخلاص النتائج وكتابة التقرير النهائي.

    3- مراحل البحث حسب عمر أكتوف:

    أما عمر أكتوف فيحدد مراحل الباحث في ثلاث خطوات وهي :

    - المراحل الأولية أو الابتدائية Les étapes initiales ، التي يستهل فيها البحث

    - ثم المراحل الوسيطية Les étapes intermédiaires التي يجري فيها البحث

    - ثم المراحل النهائية Les étapes finales حيث يتم العمل على ثمار البحث.

    - وفي المراحل الأولى تظهر فكرة البحث، والتي قد تأتي من عدة مصادر: فقد تكون جزءا من بحث كلي يحتاج إلى تعميق أكثر، أو قد يكون عبارة عن مشكلة آنية تتطلب حلا في المدى القريب، وقد يكون مشكلة مستقبلية، وقد يكون الدافع هو الحاجة إلى معلومات ، معارف أكثر دقة.

    بعد ذلك يحدد الباحث أهداف الدراسة، ثم يقوم بتحديد موضوع البحث، من حيث الأسئلة التي سيتناولها والحدود التي تفرضها إمكانيات وموارد البحث، بعد ذلك يحدد الباحث مجال الدراسة، حيث يحدد معايير مجتمع البحث، ثم يحدد ميزانية البحث، ثم يضع قائمة الإجراءات التي تعلن بداية البحث وتعطيه طابعه الرسمي والقانوني، بحيث يطلب التصريح لإجراء البحث والمقابلات وغير ذلك، ويطلب العون المادي وغير ذلك اللازم.

    - أما المراحل الوسيطة، يتم التأكد من جدوى البحث، وأن الجوانب المادية والإدارية تسمح بإتمام البحث، وأن البحث قبل للإنجاز من الناحية العلمي، حيث أن:

    - مشكلة البحث قابلة للصياغة العملياتية، وكذا الأهداف العامة.

    - تحديد الإطار النظري للبحث والحالة الراهنة له .

    - صياغة الفرضيات والأهداف الجزئية.

    - تحديد المعطيات المطلوبة.

    - تحديد المنهج ومجال البحث والأدوات.

    - الاختبارات والانتقال إلى جمع البيانات.

    - وفي المرحلة النهائية، يستخلص الباحث النتائج ويؤل المعطيات التي جمعها، بعد تحضير البيانات ثم تحليلها،وفي الأخير يضع النتائج التي يكشف فيها عن مدى تحقق الفرضيات، وماذا أضاف بالنسبة لمشكلة البحث؟ وهل أجاب على التساؤلات التي طرحها؟ وما مدى توافق النتائج مع الدعم والمقاربات النظرية .

    3- مراحل البحث حسب أوسكار لانج:

    أما أوسكار لانج Oscar Lange فيرى بأن المنهج العلمي يقوم على ثلاثة أصول متتالية وهي: التجريد Abstraction والتجسيد المتعاقب Concrétisation successive والتحقق Verification وتعد << هذه الأصول الثلاثة مشتركة بين جميع العلوم النظرية التي تعالج عمليات تقع في العالم التجريبي([8])>>.

    1-التجريد:

    وهو عبارة عن عملية عقلية، تساعد على استخلاص المفاهيم والعلاقات من الواقع المدروس، فإذا كان الباحث في المخبر يقوم بعزل بعض العناصر عن بعضها البعض بإحداث تفاعلات بعينها أو بواسطة طرق وأدوات محددة في متناوله، فإنه في المجال الاجتماعي يستخلص العناصر والمفاهيم من الواقع من خلال عزلها عن بقية الظواهر الأخرى النفسية وغيرها واستيعابها داخل ذهنه، حتى يتلمس (إن جاز التعبير) العناصر الجوهرية التي تدخل في نطاق علمه أو بحثه.

    وعندما يتحدث أوسكار لانج على مجال العلوم الاقتصادية يقول بأن التجريد يؤدي << دورا بالغ الأهمية في الاقتصاد السياسي، وهذا يعود إلى أن العملية الاقتصادية معقدة جدا إذ أن العملية الاقتصادية عبارة عن مجموعة من الأعمال الكثيرة التنوع، التي يكررها مرات عديدة عدد كبير (يبلغ الملايين أحيانا) من الناس، قائمين بنشاطات مختلفة في ظروف متغيرة، وأكثر من ذلك يتألف كل نشاط (كالعمل مثلا) من أفعال وحركات متنوعة. وهذه النشاطات تؤثر في المحيط المادي للإنسان وهي تتأثر به إذْ أنها رد فعل لأنواع مختلفة من الحوافز، كما أنها مترابطة بطرق مختلفة ولا يمكن تحليل هذا المجمع المعقد من النشاطات المترابطة والمتكررة والكشف عن العلاقات الاقتصادية بين الناس وضوابطها إلا عن طريق استعمال التجريد.([9])>>.

    وهكذا يقوم التجريد على أساس استبعاد كل ما هو ثانوي (طارئ أو عرضي) كما يقوم على تحليل العناصر والعلاقات المتشابكة والمختلطة وفصلها فصلا مدققا، لمعرفة المؤثرات والمسببات بعد الإبقاء على ماهو جوهري وعلى العناصر الفاعلة.

    فنحن نقوم في إطار عملية التجريد بالتحليل Analyse، وبـ "الملاحظة بالمقارنة" Observation Comparative نحلل العلاقات والعناصر ونرجعها إلى أصولها الأولى ونفصلها ونستبعد الثانوي فيها. وفي هذا يقول ماركس متحدثا عن العلم الاقتصادي: " وأكثر من ذلك، لا يستعمل في تحليل الأشكال الاقتصادية المجهر ولا الكاشف الكيماوي لذلك فلا بد من حلول قوة التجريد محلهما".

    2- التجسيد المتعاقب:

    بعد استخلاص المقولات يقوم العالم والباحث بصياغة فروض لتفسير العلاقات القائمة بين المتغيرات، وكشف خصائصها، ويطرح تقديرات لا تتناقض مع القوانين العلمية، وقابلة للتحقيق العلمي.

    وهكذا ففي هذه المرحلة ينزل الباحث من مستوى أعلى للتجريد إلى مستوى أدنى منه، ويتطلب ذلك قدرة عقلية هائلة للتمييز بين أدق العناصر والعلاقات، ويستخدم الباحث الرياضيات والإحصاء لإعطاء مقادير ونسب للمقولات (مثال في الاقتصاد: كمية العمل، سعر السلعة..) لتجسيد بعض العلاقات والعناصر، ويوضح أوسكار لانج ذلك من خلال الإشارة إلى الإحصاء الاقتصادي الذي لا يستغني عنه الباحث الاقتصادي حينما يقوم بالقياس الاقتصـادي والذي يعنـي "التجسيد العـددي" (Concrétisation nombrable) التي يقيمها الاقتصادي السياسي (والذي هو بمثابة مقياس النظرية في علم الاجتماع) على أساس وصف مجسّد للعمليات الاقتصادية ([10]).

    3- التدقيق (التحقيق أو الاختبار):

    وهو يعتبر أعلى مرحلة في المنهج العلمي، حيث يتحقق فيها من صحة افتراضاته، التي قادته أثناء البحث الميداني أو يضع النظريات موضع الاختبار. ويتطلب الأمر للوصول إلى ذلك الاستعانة بكافة التقنيات الملائمة.




    ثانيا- تصميـم خطة البحث:

    هناك اجتهادات كثيرة حول كيفية تصميم البحث حدد فيها الباحثون والعلماء المراحل والفترات الحاسمة التي من خلالها يتحقق البحث العلمي، وقد سبق وأن عرفنا بأن تصميم البحث لها أهمية كبيرة لتحديد مسار البحث وحسن استغلال الوقت والموارد.
    ويمكن أن نطرح بعض النماذج عن مراحل البحث وخطواته، وعن كيفية تصميم البحث العلمي في البحوث الاجتماعية، كما في النقاط التالية:


    1- تصميم عبد الباسط محمد حسن:

    يتحدث عبد الباسط عن ثلاث مراحل رئيسية وهي: المرحلة التحضيرية، والمرحلة الميدانية، والمرحلة النهائية، ولكل مرحلة خطواتها الخاصة. ولكل مرحلة خطواتها الخاصة.

    ففي المرحلة التحضيرية يقوم الباحث باختيار مشكلة البحث وصياغتها وتحديد مفاهيم الدراسة والفروض العلمية، كما يقوم بتحديد نمط البحث أي نوع الدراسة، والمناهج التي سيعتمد عليها في دراسته، وكذا الأدوات المناسبة، فضلا عن تحديد مجالات الدراسة الثلاثة (البشري، المكاني، الزمني).
    وفي المرحلة الميدانية يجمع لباحث البيانات، ومراجعتها وتسجيلها، ثم يقوم في المرحلة النهائية بتصنيف البيانات وتفريغها وتحليلها وتفسيرها، ثم يقوم بكتابة تقرير البحث([11]).


    ويرى عبد الباسط محمد حسن أن عملية التصميم غالبا ما يصاحبها وضع خطة مبدئية، يقترحها الباحث للتعريف بموضوع بحثه، ولعرض ما ينوي القيام به، أو لرسم المعالم الأولى لمسار بحثه، وهي قد تشكل الإطار التصوري الأول للبحث الذي يقدم كورقة بحث أمام جمع من الباحثين، أو تقدم كمشروع أولي كمذكرة بحث أو رسالة علمية. وهو يرى بأن الخطة المبدئية ينبغي أن تشمل على ثماني نقاط وهي([12]):

    1- مقدمة عامة: يعرض فيها أصول المشكلة، وما أجرِيَ حولها من دراسات، ويحدد النقاط الرئيسة والفرعية التي يرغب في دراستها، مع توضيح أبعاد المشكلة، ثم يقوم بصياغتها بدقة بعد تحديد كافة أبعادها ونقاطها الرئيسية والفرعية.

    2- تحديد أهداف البحث: وهي تنقسم إلى هدف علمي وآخر عملي، يتمثل الهدف العلمي في إضافة أو تعديل أو إثراء أحد النظريات، أما الهدف العلمي فيقصد به تناول أحد المشكلات الاجتماعية بالدراسة والتحليل للكشف عن أسبابها وآثارها، لتقديم حلول ناجعة أو توصيات مفيدة

    3- تحديد البناء النظري للبحث، حيث يحدد الباحث الإطار النظري الذي سيوجهه في بحثه، ويُمدُّه بالمفاهيم التي ستشكل مادة لمتغيرات بحثه وفروضه وقضاياه، ويمكن للباحث تحديد النظريات التي تؤطر دراستها وكذا المداخل التي يستعين بها في مقاربة الموضوع وتفسير البيانات التي يحصل عليها لاحقا، وفي المحور القادم سنذكر بعض المداخل التي يستعين بها الباحث في دراسته.

    4- تحديد المفاهيم والفروض المستخدمة في البحث: حيث تحدد المفاهيم التي تتشكل منها متغيرات الدراسة، وتُصاغ الفروض في ضوء ما تحصل عليها الباحث من دراسات سابقة وفي ضوء الإطار النظري وما يصل (أو وصل) إليه من ملاحظات.

    5- تحديد الإجراءات المنهجية للبحث: بمعنى تحديد المناهج الملائمة للبحث، والأدوات المناسبة لجمع البيانات، فضلا عن تحديد مجالات البحث الثلاثة: البشري، والمكاني، والزمني

    6- تحديد طرق التحليل الإحصائي للبيانات: وتبيان المقاييس والاختبارات التي سيلجأ إليها الباحث في بحثه.

    7- تحديد طريقة عرض البيانات: على الباحث أن يحدد الطرق التي سيستخدمها لعرض نتائج بحثه، مثل الرسوم البيانية والجداول والخرائط..

    8- تحديد نوع التفسيرات الممكنة: حيث يحدد التفسيرات المقترحة، التي تساعد على الوصول إلى النتائج المرجوة، وغالبا ما يتم ذلك بالاستعانة بالنماذج والمداخل النظرية التي اعتمد عليها الباحث في دراسته.

    يُلاحظ أنّ هناك اتفاقا حول أغلب هذه النقاط التي ذكرها عبد الباسط، ويضيف البعض بالنسبة للرسائل العلمية ذكر التقسيم المبدئي لفصول الدراسة، وبعض الأساتذة المشرفين يطلبون من الطلبة فصل المقدمة - التي يُطرح فيها الموضوع انتقالا من الكل إلى الجزء- عن الإشكالية التي يتم فيها بناء المشكلة وطرحها وصياغتها على شكل تساؤل رئيس.

    فهم يُفردون للإشكالية عنصرا خاصا وحيزا معتبرا، وذلك لما تنطوي عليه من أهمية، فهي كما يقول "ميشال بو" Michel Beaud تحتل مكانة خاصة ضمن العمل العلمي، وهي بالنسبة للأطروحة مثل الجهاز العصبي بالنسبة للإنسان، وهي كما يعرفها ميشال: " ذلك الكل المشكل، حول تساؤل رئيس، وفرضيات البحث، وخطوط التحليل التي تسمح بتناول الموضع المبحوث"([13]).

    2- تصميم عمر أكتوف:

    يبدأ أكتوف حديثه عن خطة البحث بتعريف الخطة بوصفها خط أو مخطط يمثل مختلف أجزاء كلا منظما حسب بنية محددة، أو مجمل الترتيبات التي نتخذها لتنفيذ المشروع. ويجب أن يجيب الخطة على الأسئلة الستة الآتية:

    ماهو موضوع البحث. المشكلة المحددة التي ستدرس؟ ماذا نعرف في الوقت الراهن؟ ماذا سنضيف من جديد؟ما هي المعطيات التي نحتاج إليها لمعالجة هذه المشكلة، ما ذا نقيس ؟ إذا تعلق الأمر بالقياس.
    ما هي العوامل، المتغيرات أو العنصر التي سيتم مراقبتها قبل القياس؟


    ما هي المصادر المستعملة؟ أو التي جمعا أو قياسها؟ ما سمات الرئيسية التي هي ضمن مجال القياس ؟ أو التي ستجمع؟ أو تلاحظ؟


    ما هي المناهج ، التقنيات والأدوات التي تسمح بالجمع أو القياس؟ وكيف نقيس؟


    ماهي تقنيات التحليل والتأويل التي سيتعمل؟ ما هي الأكثر ملاءمة بالنسبة للمشكلة؟ والأهداف؟ والمعطيات؟ والأدوات؟



    ومن جهة أخرى فكل خطة يجب أن تتضمن العناصر التالية:

    - عرض المشكلة، الصياغة المبررة والمفصلة للموضوع

    - الأسئلة المركزية المثارة والأهداف المقصودة

    - الإطار النظري للمشكلة وللأسئلة المركزية

    - استعراض سريع للمعارف الأساسية الراهنة عن موضوع الدراسة.

    - فرضيات الدراسة، وشروط صياغتها، والتحقيقات المزمع القيام بها.

    - المنهجية (التقنيات الأدوات والمعاينة.....)

    - خطة التجربة ( العمل العمل في الميدان، نماذج التحقيق المسبق...)

    - نمط فرز وتحليل المعطيات.

    - نمط تأويل النتائج.

    وبعد تحديد الخطة يشرع الباحث في تنفيذ الخطة.
    ثالثا- صعوبات البحث العلمي في العلوم الاجتماعية



    عندما نتحدث اليوم عن الصعوبات التي تعرقل تطور البحث العلمي أو تقلل من فرص تقدمه، يجب أن نضع في اعتبارنا أن مشكلات الأمس القريب ليست هي مشكلات اليوم بالنسبة للبحث العلمي.

    فبالأمس القريب كان تبادل المعلومات من بين المشكلات العويصة التي تحول دون تحقيق تواصل علمي يتماشى مع الازدياد المضطرد للإصدارات العلمية المختلفة، واليوم أصبحت هذه المشكلة في الوقت الراهن غير مطروحة بفضل تطور وسائل الاتصال عن بعد Télécommunication والمعلوماتية Informatique، والظهور المتتابع للوسائط الاتصالية العديدة مثل الانترنيت.

    ومن جهة أخرى، بدأت قضية تمويل البحوث، التي كانت من بين القضايا التي كانت تؤرق الباحثين وتعرقل أعمالهم وتحد من مجهوداتهم العلمية، تجد بعض الحلول، بعد أن تعمقت الروابط بين البحوث العلمية والتطورات الاقتصادية والتقنية، وأصبح الزمن الذي يستغرق في المخابر يباع بأعلى الأثمان، لأنه يحقق مردودا يتجاوز مردود السلع والخدمات الأخرى.

    مما نتج عن ذلك إقبال كبير للشركات والمؤسسات الاقتصادية على فتح مخابر للبحوث وتشجيع الأعمال ذات المردود العاجل والآجل، بل أن بعضها أصبح، وفي إطار الأعمال والخيرية أو الإشهارية التي يقدمها، يُخصّص بعض الاعتمادات المالية حتى للبحوث الأساسية Recherche fondamental.

    ولكن تبقى هناك هذه الصعوبات العلمية تحتفظ بوقعها السلبي النسبي على الدراسات الإنسانية، إلى جانب استمرار صعوبات أخرى لا زالت تؤثر باستمرار على البحوث والدراسات العلمية في هذا المجال العلمي، خاصة تلك التي ترتبط بخصوصية الظواهر والمواضيع التي تتناولها هذه العلوم، وبموقع الباحث منها.

    فالظواهر الاجتماعية تتسم بنوع من التفرد والخصوصية، بحيث يحد ذلك من تعميم نتائج الأبحاث التي تجرى على قطاع بعينه، إضافة إلى تأثر ذلك (حدود تعميم النتائج) بعملية التحقق من صحة التحقيقات، زد إلى ذلك تعذر اعتماد نفس المقاربات التي برهنت على نجاعتها النظرية والمنهجية وكأداة للتفسير في بيئات بعينها.

    كما أن تداخل الظواهر الإنسانية والاجتماعية يجعل من الصعب تمييز تداخلاتها ودرجة تأثير الواحدة بالأخرى، ولعل ذلك التعقيد هو الذي يبرر اللجوء المفرط للتجريد عند الرواد الأول لعلم الاجتماع.

    أضف إلى ذلك أن المواضيع التي تتناولها قريبة من اهتمامات ومصالح وأيديولوجيات وعقيدة وتفكير الإنسان مما يؤثر على ذاتية الباحث، ويحد من التزامه بالموضوعية والحياد، خاصة عندما يتعارض ذلك مع كثير من اعتباراته الشخصية.

    وتتحقق الموضوعية من خلال التناول العلمي للواقع من دون إخفاء ولو لجزء منه، مع محاولة استعباد للمؤثرات الدوافع الذاتية والخلفيات المذهبية والأيديولوجية، خاصة عند القيام بتفسير النتائج التي تم التوصل إليها.

    وقد أكد رواد علم الاجتماع على أهمية الالتزام بالموضوعية، خاصة منهم دوركايم الداعي إلى ضرورة التعامل مع الظاهرة الاجتماعية من الخارج، على أنها أشياء، أي يتم التعامل على أنها مستقلة عن الباحث وعن شعور الأفراد، يقول دوركايم: << لا يجوز لعالم الاجتماع، وبحال ما، أن يستعير من علم النفس بعض قضاياه لكي يطبقها دون تحوير على الظاهر الاجتماعية، بل لا بد له من دراسة التفكير الاجتماعي برمته، أي شكلا وموضوعا، في ذاته ولذاته، ولابد عليه أن يشعر خلال ذلك بما ينطوي عليه هذا التفكير من صفات خاصة.([14])>>

    وتجدر الإشارة إلى أن تمييز دوركايم بين الظاهرة الاجتماعية والظاهرة النفسية، بين الوعي كحقيقة نفسية وبين الوعي كحقيقة اجتماعية أدى إلى نشوء مسافة أكبر مما نقبلها اليوم بين النفسي والاجتماعي([15]). وبشكل عام، يمكن أن نلخص مسعى دوركايم لحل معضلة الموضوعية من خلال تبيان خصائص الظاهرة الاجتماعية، وتحديد كيفية التعامل معها.

    ومن جهته، فإن دعوة ماكس فيبر إلى الموضوعية لم تمنعه من تبيان منهجه القائم على تناول الظاهرة الاجتماعية من الداخل، وذلك لما تنطوي عليه من معاني يتعين على الباحث فهمها.

    ويجدر التسجيل بأن فيبر قد اعتبر منهج الفهم منهجا فكريا وأداة فكرية مناسبة لمعرفة طبيعة الظاهرةـ والوقوف على أسباب نشأتها وأشكال استمرارها.

    وينقسم الفهم من حيث الأهداف التي يتوخى الباحث الوصول إليها إلى قسمين[16]: - فهو يهدف من جهة إلى الوقوف على أسباب حدوث الظاهرة، ويسعى لتفسيرتتابع الأحداث للوصول إلى تعميمات، ويطلق على هذا النوع من الفهم: الفهم الملائم السببي، وقد استعمل فيبر هذا المنهج في دراسة نشأة الرأسمالية في أوروبا.

    - وهو يهدف من جهة أخرى إلى كشف المعاني التي يحملها الفعل الاجتماعي، وقد أطلق فيبر عليه منهج الفهم على مستوى المعنى، وهو يخص العلوم الاجتماعية،

    هذا بالإضافة إلى صعوبة إتباع بعض الخطوات العلمية التي أصبحت شائعة في العلوم الأخرى، خاصة منها التجريب، وصعوبة تطبيق بعض التقنيات مثل ملاحظة بعض الظواهر الإنسانية أو إجراء المقابلات مع بعض المبحوثين أو في مواضيع معينة.

    هذه، إذن بعض الصعوبات التي لازالت تطرح إلى غاية اليوم، مادام البحث يرتبط بقدرات ومدى تجرد والوسائل المتاحة بكل باحث، وسنحاول في الدروس القادمة مناقشة بعضها.




    [1] - عبد الباسط محمد حسن، أصول البحث الاجتماعي، الطبعة الحادية عشر، مكتبة وهبة، القاهرة، 1990، ص125.


    [2] - L. Beveridge, The art of scientific Investigation, London, 1953,p121, نقلا عن عبد الباسط محمد حسن، ص126-127.


    [3] - M. Angers, Initiation pratique a la méthodologie des sciences humaines, Ed Casbah, Alger,1997, p45


    [4] Omar Aktouf,méthodologies des sciences sociales et approche qualitative des organisations, Une introduction à la démarche classique et une critique, Montréal : Les Presses de l'Université du Québec, 1987, Une version numérique, réalisé par Mme Marcelle Bergeron, see : http:// classiques.uqac.ca/ p39.


    [5] - Madeleine Grawitz, méthodes des sciences sociales, 5° éditions, Paris, Dalloz 1984,, p382.


    [6] -J .L . Loubet ,Introductions aux méthodes des sciences sociales, Ed Privat , Toulouse, 1978, p20.


    [7] - Maurice Angers,: op. Cit, pp. 78- 353.



      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة مارس 29, 2024 4:14 pm